
بيان للرأي العام حول التعديلات التشريعية الاخيرة المتعلقة بالقضاء والحق في التقاضي


تابع الموقعون على هذا البيان بمزيد من الاهتمام التعديلات على طريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية التي وافق عليها مجلس النوّاب مؤخرا والتي صدرت بقانون عن رئيس الجمهورية.
ويرى الموقعون على البيان أن هذه التعديلات، بمنحها رئيس الجمهورية السلطة التقديرية للاختيار من بين ثلاثة من أقدم سبعة مستشارين في كل من هذه الجهات والهيئات، قد حادت عن تقليد مستقر وراسخ في السلطة القضائية هو اتباع الأقدمية المطلقة في تعيين رؤساء جهاتها وهيئاتها.
ويشعر الموقعون على البيان بالقلق الشديد من اندراج هذه التعديلات في إطار اتجاه تشريعي، أخذ به مجلس النوّاب الحالي، هو تركيز سلطة الاختيار للتعيين في المناصب العليا للدولة في رئيس الجمهورية وحده، بالمخالفة لروح الدستور التي حرصت على تأكيد التوازن بين السلطات.
ويعرب الموقعون عن بالغ القلق مما يتردد بين الرأي العام عن أن الهدف من التعديلات المذكورة هو استبعاد أشخاص بعينهم من رئاسة جهات قضائية وهو ما يسم التعديلات، إن صح( ونرجو ألا يصح) ، بشبهة الانحراف في استخدام السلطة التشريعية ويهدر قيمتها الدستورية.
ويلاحظ الموقعون على البيان أن التعديلات قد تم تمريرها بسرعة خاطفة دون مناقشة متأنية لها ولا تمحيص لمختلف وجهات النظر بشأنها، ومنها رأى قسم التشريع بمجلس الدولة الذى انتهى إلى رفض التعديلات لعدم دستوريتها .
بناء على ما تقدم، فإن الموقعين على البيان يودون التأكيد على ما يلى :
١-ينص الدستور في المادة الخامسة منه على الفصل بين السلطات والتوازن بينها باعتبارهما من مبادئ النظام السياسي للدولة والأسس التي يقوم عليها.وبينما يقتضى الفصل بين السلطات حرص كل سلطة على ممارسة اختصاصها الدستوري دون التغول علي اختصاص أي سلطة أخرى أو التدخل في شؤونها بما يمس استقلالها، فإن التوازن بين السلطات كان يقتضى التشاور والحوار البناء بين السلطتين التشريعية والقضائية حتى يمكن تسوية أي خلاف بينهما حول التعديلات المتعلقة بطريقة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، وذلك من أجل الحفاظ على الاستقرار الدستوري في البلاد وحماية الوطن والمواطنين من مغبة الصدام بين السلطات.
٢- إن التعديلات التشريعية المذكورة قد خالفت مخالفة صريحة نصوصا عديدة في الدستور أهمها المادة ١٨٤ التي تنص على استقلال السلطة القضائية ، والمادة ١٨٥ التي تنص على أن كل جهة قضائية تقوم على شئونها باستقلال ، مما يجعل منح رئيس الجمهورية السلطة التقديرية في اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية مشوبا بعدم الدستورية.
٣- لقد خلا دستور سنة 2014 من النص على رئاسة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للهيئات القضائية الذى كان يرد في المادة 173 من دستور سنة 1971. ومن المعروف أنه عندما يغفل المشرع نصا كان معمولا به، فإن ذلك يعنى العدول عن الأخذ بحكمه، وهو ما يجعل إعطاء الاختصاص لرئيس الجمهورية باختيار رؤساء الهيئات القضائية مشوبا بشبهة عدم الدستورية.
4- ان الإسراع في إقرار القانون وإصداره، على الرغم من رفض مجالس ونوادي القضاء له، ودون بذل المساعي الكفيلة بتحقيق توافق يحترم نص الدستور وروحه ويحقق الحكمة من التوازن بين السلطات، هذا الإسراع من شأنه أن يعرِّض البلاد لخطر الوقوع في أزمة دستورية في توقيت هي تحتاج فيه لضم الصفوف من أجل التصدي للإرهاب وتجاوز الأزمة الاقتصادية التي تواجهها.
5. إن الموقعين على البيان ينطلقون من اعتقاد راسخ هو أن استقلال القضاء أمر لا يخص القضاة وحدهم بل هو يمسّ صميم حقوق المواطنين وحرياتهم .
6. ويغتنم الموقعون على البيان المناسبة للتعبير عن انزعاجهم من مباغتة مجلس النوّاب للشعب وتعجله في التصدي لتعديل كل من قانون الإجراءات الجنائية وقانون محكمة النقض وقانون الطوارئ وقانون الكيانات الإرهابية، وهي كلها قوانين تؤثر في ممارسة الحريات العامة وفي الحق في محاكمة عادلة، دون مناقشة متأنية للتعديلات مع الدوائر المختصة، وعلى الرغم من مطالبة مجلس القضاء الأعلى بإرجائها.
****
إن القهر والقسر بالتشريع الذى تفرضه أغلبية برلمانية موالية دون مواربة للسلطة التنفيذية هو منهج مخالف للدستور نصا وروحا، ومدمر لتطلعات شعب ثار من أجل الحرية والكرامة الإنسانية.
Comment